ضجة وردود أفعال متباينة بعد إعلان مؤلف "آيات شيطانية" إصابته بالعمى
ضجة وردود أفعال متباينة بعد إعلان مؤلف "آيات شيطانية" إصابته بالعمى
أثار ما أعلنه وكيل أعمال سلمان رشدي ضجة وردود أفعال متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد ذكره أن مؤلف "آيات شيطانية" فقد البصر بإحدى عينيه وأصيب بإعاقة في إحدى يديه، إثر هجوم تعرض له على خشبة مسرح خلال حدث أدبي غربي نيويورك في أغسطس الماضي.
وفي تصريحات له، تحدث المحامي أندرو وايلي، عن الإصابات التي تعرض لها رشدي في الهجوم في مقابلة مع صحيفة "الباييس" الإسبانية.
ووصف وايلي إصابات رشدي (75 عاما) بأنها "بالغة"، مشيرا إلى فقده البصر بإحدى العينين.
وأضاف: "أصيب بثلاثة جروح خطيرة في رقبته.. إحدى يديه أصيبت بعجز بسبب قطع الأعصاب في ذراعه، ولديه نحو 15 إصابة أخرى في الصدر والجذع".
وكان سلمان رشدي يهم بإلقاء محاضرة عن حرية الإبداع في معهد تشوتاكوا غربي نيويورك، عندما هاجمه شاب بسكين موجها له طعنات بلغ عددها 10 على الأقل وتوزعت على عنقه ووجهه.
وعلى الفور، نقل رشدي (75 عاما) إلى المستشفى، إثر الطعنات التي تسببت بجروح خطيرة، وتطلب الأمر وضعه على جهاز التنفس الاصطناعي.
إهدار الخميني دم سلمان
القصة بدأت حينما واجه مؤلف رواية "آيات شيطانية" تهديدات بالقتل لأكثر من 33 عامًا منذ أن أصدر آية الله الخميني فتوى دعا فيها إلى قتل رشدي أينما وجد.
وفقًا لتقارير صحفية، قبل صدور فتوى الخميني في فبراير 1989 تجاهلت إيران الكتاب المثير للجدل إلى حد كبير، لكن جرى لقاء قبل ساعات فقط من صدور الفتوى في مطار طهران الرئيسي بين رجلي دين مسلمين بريطانيين ووزير إيراني.
سيطر الطقس السيئ على العاصمة الإيرانية حين وصل كليم صديقي وغياث الدين صديقي إلى مطار مهر أباد في طهران، كان الرجلان قد قدما إلى إيران لحضور مؤتمر في طهران بمناسبة مرور عقد على الثورة الإسلامية الإيرانية.
جرى اللقاء بينما كانا يتأهبان للعودة إلى وطنهما في المملكة المتحدة.
داخل المطار التقيا صدفة مع الوزير في الحكومة الإيرانية وقتها، محمد خاتمي، الذي طلب التحدث مع كليم على انفراد.
"انزويا في زاوية وتجاذيا أطراف الحديث" حسب ما أوضحه غياث الدين لاحقًا في فيلم وثائقي على قناة بي بي سي عام 2009 بعنوان "أزمة الآيات شيطانية".
عندما عاد كليم أوضح لرفيقه ما تحدثا عنه، وروى غياث الدين ما قاله له كليم: "كان يسأل عن رأيي بسلمان رشدي وقلت له كما تعلمون يجب أن يحدث شيء جذري".
أخبر كليم غياث الدين أن الوزير كان في طريقه لرؤية المرشد الأعلى للثورة في إيران آنذاك والمرجع الديني الشيعي الأعلى، آية الله الخميني.
بعد ساعات قليلة أصدر الخميني الفتوى المشهورة.
لم تشمل الفتوى مؤلف الآيات الشيطانية فقط، ولكن أيضاً ناشريها ومحرريها ومترجميها.
وجاء في الفتوى: "أدعو كل المسلمين أينما كانوا في العالم إلى قتلهم دون تأخير حتى لا يجرؤ أحد على إهانة المعتقدات المقدسة للمسلمين من الآن فصاعدا".
واكتسب الروائي الهندي المولد شهرة بفضل رواية "أطفال منتصف الليل" التي نُشرت في عام 1981، وبيع منها أكثر من مليون نسخة في بريطانيا وحدها.
لكن كتابه الرابع، "آيات شيطانية" الذي نُشر في عام 1988، أجبره على الاختباء لمدة تسع سنوات.
فقد أثارت الرواية، التي تنتمي إلى فئة السريالية ما بعد الحداثة، غضبا لدى بعض المسلمين، الذين اعتبروا محتواها تجديفا، وتم حظر الرواية في بعض البلدان.
وبعد عام من نشر الكتاب، دعا المرشد الأعلى الإيراني آنذاك آية الله الخميني إلى إعدام رشدي وعرض مكافأة قدرها 3 ملايين دولار.
واندلعت أعمال عنف عقب نشر الرواية، تسببت في مقتل عشرات الأشخاص، بينهم مترجمون للعمل الروائي.
ولا تزال المكافأة على قتل رشدي قائمة، وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية نأت بنفسها عن مرسوم الخميني، فإن مؤسسة دينية إيرانية شبه رسمية خصصت مبلغا إضافيا للمكافأة قدره 500 ألف دولار في عام 2012.
لقب فارس
يُعرف رشدي، الذي يحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية، بأنه مدافع قوي عن حرية التعبير، وقد دافع عن أعماله في عدة مناسبات.
وأثار منح الملكة إليزابيث له لقب "فارس" في عام 2007 احتجاجات في إيران وباكستان.
وتعرضت فعاليات أدبية حضرها رشدي للتهديد والمقاطعة في الماضي، لكنه واصل الكتابة، ومن المقرر نشر روايته التالية "مدينة النصر" في فبراير 2023.
مقال نجيب محفوظ في رشدي
الكاتب العالمي نجيب محفوظ، كتب مقالًا تناولته المواقع الصحفية، حول فتوى الخميني بإهدار دم "رشدي"، حيث أدان "محفوظ" هذه الخطوة، لاختراقها العلاقات الدولية وخروجها عن الإسلام الذي نعرفه في ما يتعلق بمحاسبة المرتد.
وقال محفوظ في المقال: "ضربت بالأزهر الشريف مثلا طيبا في تصديه للكتاب بالرد عليه في كتاب آخر، كما أشرت إلى فتوى فضيلة المفتي وذلك كله يهدف أن يدرك القارئ أو المشاهد أن للإسلام رسالة غير الإرهاب والتحريض على القتل وإني أعتقد أن الخميني أساء للإسلام والمسلمين إساءة لا تقل إن لم تزد على ما قصده مؤلف الكتاب".
وأكد محفوظ، أن الربط بين روايته "أولاد حارتنا" و"آيات شيطانية" لسلمان رشدي خطأ بالغ، قائلًا: "أنادي بأن تكون حرية الرأي مقدسة ولا يصحح الفكر إلا الفكر، ولكن لا تتساوى المجتمعات في تحمل الحرية إذا تجاوزت الحدود، وعلى المفكر أن يتحمل مسؤولية فكره في حدود إيمانه وشجاعته وظروف مجتمعه، ولذلك أيدت مصادرة الكتاب حفظا للسلم الاجتماعي، على شرط ألا يتخذ ذلك ذريعة لقهر الفكر بل أيدت مطالبة الأزهر بمنع طبع أولاد حارتنا طالما أن رأيه فيها لم يتغير، وأكدت أن كتابي ليس فيه ما يمس الأديان أو الرسل، وإني كبير الأمل في أن أوضح للمعترضين على وجه الحق فيه، وفي حديث مع التليفزيون السويسري كانت حقائق جديدة قد ذكرت عن الكتاب فعرفت أنه والعهدة على الكاتبين سب وقذف لم يجرِ بمثله قلم من قبل، فقلت للمذيعة إنه إن صح ذلك فالكتاب يكون تحت مستوى المناقشة وإنه كأي فعل خارج عن حد القانون والأدب فمخاصمته تكون في المحاكم".
وواصل محفوظ: "إني لأدرك أنه إذا كان سلمان انحرف في خياله، فإن المسلمين أساؤوا التصرف بالمظاهرات وحرق الكتاب وإهدار الدم، مما قلب الوضع فجعل من المجرم ضحية ومن الضحية متهما، وتخفيفا من البلوى أقترح:
1- أن تعلن الدول الإسلامية رفضها للإرهاب وإهدار الدماء باسم الإسلام.
2- أن تطالب الدول باحترام الديانات والمقدسات لدى الشعوب مع عدم التعرض لحرية البحث العلمي القابل للمناقشة.
3- أن تقاطع دور النشر التي تتولى نشر الكتاب.
ردود أفعال متباينة
وتباينت ردود أفعال المشاهير ورواد السوشيال ميديا حول إصابة رشدي بالعمى، حيث اعتبرها البعض انتقام السماء متمنين له الموت، فيما ندد البعض الآخر بما حدث.
حيث دونت امرأة تدعى نورا، على صفحتها الشخصية بموقع "فيسبوك": "ياريتك مت"، فيما سطرت سوسن الخطيب: "فعلًا لكل ظالم يوم، سلمان رشدي يفقد إحدى عينيه ويصاب بشلل يده".
فيما دون شاب يدعى محمد عبد الله الدور: "يا ريتك مت، هذا ما كتبته يدك وعينك التي رأت وأنكرت، سلمان رشدي أعور وبيد مشلولة، كاتب كتاب آيات شيطانية بعد شهرين من حادثة الطعن وتوقف الأخبار عنه".
وعلى الجانب الآخر، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عبر موقع تويتر: "لقد شعرت بالفزع من تعرض السير سلمان رشدي للطعن أثناء ممارسته، حقًا يجب ألّا نتوقف عن الدفاع عنه".
وقال الكاتب ومؤلف الروايات المصورة نيل جيمان إنه أصيب "بالصدمة والحزن" جراء الهجوم على صديقه وزميله الكاتب.
وكتب جايمان على تويتر: "إنه رجل طيب ورائع وآمل أن يكون بخير".
وفي بيان، قالت دار "بنغوين راندوم هاوس" للنشر، التي يتعامل معها رشدي: "ندين هذا الاعتداء العلني العنيف، وأفكارنا مع سلمان وعائلته في هذا الوقت المحزن".
وتعهدت حاكمة نيويورك كاثي هوكول "بالمساعدة كيفما اقتضت الحاجة في التحقيق" في الحادث.
وقالت هوكول إن رشدي: "فرد أمضى عقودًا في مخاطبة السلطة بالحقيقة.. شخص غير خائف على الرغم من التهديدات التي تبعته طوال حياته".